رياضة طيف بوشماوي يتراقص حول الحديقة و"نفحة" المدب حادت عن الحقيقة...
ثلاث خسائر في دوري أبطال افريقيا واكتفاء بمجرّد فوز يتيم مع افتتاح مشوار البطولة بهزيمة جديدة..ليس هذا حصاد فريق نكرة يتدرّج سلم المجد والاشعاع بل انه يتعلّق بشيخ الأندية التونسية وأحد معاقل الكرة في "الماما أفريكا" ونعني به الترجي الرياضي..وبعد حصول المحظور وتفاقم الأزمة تفطن حمدي المدب الى أنه من الضروري أن يحدث ما يجب من التغييرات..والا فان ما بناه في سبع سنوات سينهار بسبب مجرّد نزوات وتحالفات قادت الترجي الى أسوأ الحالات..
صحيح أن المثل الفرنسي يقول فيما معناه ان وقوع الأمر ولو بشيء من التأخير أفضل من عدم حصوله تماما..لكن حكمة المدب تأخرت كثيرا حتى يقتنع بأن دوسابر ليس الا مجرّد اسم عابر ولا يستحق منحه مثل كل تلك الصلاحيات والنفوذ لاحداث تفرقة كان محورها الثاني رياض بنور..ولئن سعى الكثيرون الى التعتيم عما يحدث الا أن تتالي الكبوات فجّر حقيقة الوهن الذي بات عليه البيت الترجي..
اختلف بنور والفرنسي كثيرا..لكن الأقدار شاءت رحيلهما سويّا في يوم واحد..وهذه عبرة أخرى لل"حاشية" الذين اصطفوا هنا وهنالك كل منهم في صفّ للحرب..وغيّبوا مصلحة الترجي وأثبتوا مرة أخرى أن أولوياتهم الذاتية تطفو قبل مبدأ الانتماء الى الفريق والى ما غير ذلك من التبريرات التي لن تنطلي الا على السذّج.. أما العقلاء فيدركون أن من أوكد أسباب أزمة الترجي هي عقلية التمجيد و"النفخ" في الصورة والتي أجادها البعض حتى بالوراثة عمن سبقوهم...
نواصل في ملف الولاءات والأحلاف لنلمّح الى نقطة مهمة في الترجي على هامش اعادة خالد بن يحيى كمدرب بعد ثماني سنوات من الاحتجاب عقب تجربة ناجحة مع عزيز زهير..فالاستنجاد ب"الجنتلمان" يؤكد أن التيار عاد ليمرّر الحرارة بين حمدي المدب وعضده الأيمن سابقا أحمد بوشماوي والذي كان نائبا للرئيس مكلفا للشبان قبل رحيله منذ خمس سنوات رفقة الفرنسي جيرار بوشي..ومنذ يومها افتقد المدب سندا ماديا ومعنويا محوره بوشماوي ..ولذلك فان عودة بن يحيى المحسوب تاريخيا على هذا الاسم تؤكد أن علاقة أحمد تجاوزت فتورها مع رئيس الترجي...
من جانب أخر بات جليا أن سحب الثقة من بنور (وان صوّرها الكثيرون استقالة) أكدت أن علاقة الرئيس بطارق بوشماوي قد لا تكون في أفضل حالاتها بما أن رياض وطارق حليفان لا يفترقان عادة..وهذه نقطة أخرى تؤكد أن رئيس هيئة الترجي راهن على اختيارات البداية بعد أن خسر الكثير وفق تأكيدات المقربين من الكواليس جراء دخوله في حروب باردة مع أكثر من اسم..وهذا ما قد يبرّر أيضا ما يروج عن عبد الكريم بوشوشة الذي عمل طويلا في الحلف المعادي للمدب بل حتى وانتقده بشدّة في مقالات صحفية سنحت له الأقدار بخطّها والانتساب عنوة الى مهنة نبيلة كصاحبة الجلالة..كما أن شكري الواعر بات يتردّد بقوة بعد أن كان سابقا مجرّد اسم للمناورة كلما فترت علاقة المدب ببنور..
كل هذه التغييرات توحي بحنين ترجي الى أسماء قديمة اشتغلت ولاقت النجاح كما الفشل..وهنا لا بدّ من الاقرار أيضا أن بنور -وبقطع النظر عن زلاته ومساوئه- فانه نجح في ظرف ما في تقديم الاضافة من موقعه اداريا..وليس مستبعدا أن يكون ابعاده ناجما عن شعور ينتاب الرئيس بأن نفوذ رئيس فرع كرة القدم السابق بات يتعاظم بالتحاقه بلجنة الاجازات في الاتحاد الافريقي لكرة القدم..ولمن سيستغرب الرواية نذكّره بما حدث مع بادين التلمساني عقب خماسية مازمبي حين شعر المدب - بسبب وشاية خاطئة الفحوى- أن بادين يريد مزيد البروز ويحتكر كل التصريحات..وفعلا ما ان حطت طائرة الترجي بمطار تونس قرطاج الدولي حتى قضي أمر العزل من المنصب..
قد يكون المدب تمعّن مليا في المحيطين به واختار من اقتنع بهم ويراهم مقرّبين الى قلبه وهو الذي يجنح في كثير من الأحيان الى منطق الأحاسيس..ولكن الثابت أن المسؤول الأول في الترجي يتعامل وفق الأهواء والوصايا -وقد تكون أحيانا مسمومة عافى الله الجميع-..فمن ضمن له نجاح بن يحيى وصوّره له المهدي المنتظر قد يكون أخطأ العنوان..فابن الترجي لم يعد بمثل توهّج السنين الخوالي بل تراجع اشعاعه ولم يعد ذاك الحريص على الانضباط والمواثيق الرياضية خلال تجاربه مع القوافل..والا ما كان أصلا ليسمح لنفسه بمناقشة المدب ومجالسته وهو يباشر مهامه مع فريق الجنوب الغربي...
صحيح أن بن يحيى حاز على "الدوبلي" منذ ثماني سنوات..ولكن حينها كان للترجي حارس مرمى اسمه جون جاك تيزي تفوق قيمته الفنية والمعنوية نصف الفريق..وزمانها كان كمال زعيّم يانعا وحاسما الى جانب أمين اللطيفي في موسم مازال الفتى الأسمر يقتات على فتات ذكرياته وانجازاته الى الأن...
كل هذه المؤشرات يجب ألا تطرح جانبا من دائرة التفكير كما يريد البعض..فمهما حدثت بعض القرارات المرتجلة بادراج فلان وسحب فلتان..فانه لا يجب المرور على حقيقية ساطعة وهي أن الرصيد البشري الحالي للترجي مريض ولا حرج في الاقرار أن بن شريفية والراقد وأفول فقط بامكانهم اللعب كأساسيين أما البقية فأغلبهم من الغث ولا يرتقي الى مرتبة السمين الملائم لانتظارات الترجيين...
نقطة أخرى ترافق مسار الترجي وهي استنجاد هيئته مؤخرا بطارق ثابت..ورغم اتفاق جميع خلق الله على نبل أخلاقه، فان ذلك لا يكفي لنحت مسيرة مدرّب متميز والدليل أن محطات ابن الجنوب تؤكد تواضعه حتى لا نقول شيئا أخر..ولا بد له من "تحرير" نفسه من الانكماش المعنوي والفنّي..ثم ان تصريحه الغريب "انا نخدم مع دوسابر وما نطعنوش في ظهرو" بات الأن عديم الفاعلية اثر ثمان وأربعون ساعة تقريبا..ولو كان طارق غيورا على الترجي قبل المنصب وولائه للفرنسي "المخلوع"' لقال ان دوسابر لا يرتقي بتاتا الى منزلة بيتشنزاك وأماريلدو والبنزرتي ولومار ومعلول وغيرهم ممن نجحوا مع "المكشخة"..
الأن، لا بد من نزع العواطف جانبا في تشخيص داء شيخ الأندية..ف"صنعة الكوارجية" والانضباط غائبين..وكان حريا طرحهما على الدراسة قبل "افتكاك جديد" عنوانه خالد بن يحيى قد تكون غاياته أولا وأخيرا اعادة الدفء الى العلاقة مع بعض الوجوه قبل البحث عن المنفعة والاضافة التي غابت عن جيش من المدربين اصطفوا في باب الحديقة منذ سنتين..فجنوا الأموال والشهرة وتركوا للترجي فيضا من المشاكل والاخلالات والعداوات...
طارق العصادي